كان أبو حسين علي بن الحسين وزيراً لبلاد مصر فهرب من هناك وذهب الى العراق لاجئاً الى البويهيين الديالمة وحل محله في وزارة مصر ابنه الحسين بن علي بن حسين المغربي ثم اعتقل هو الآخر وهرب الى العراق عند أبيه وبعد فترة توفي الأب بينما يقول البعض أنه قتل في مصر ومن المحتمل أن تكون الرواية الأخيرة صحيحة.هذا وقد ذهب الوزير المشهور من بغداد الى الموصل عند شرف الدولة.معتمد الدولة قرواش حاكم الموصل ولكنه اعتقل في البداية ثم اطلق سراحه أخيراً فذهب الى فارقين وفي الطريق التقى به بدران شقيق معتمد الدولة قرواش فأعاده إلى الموصل وأودعه السجن ثم أطلق سراحه فذهب الى أحمد شاه ملك فارقين في تلك الفترة كانت كردستان بدون وزارة أي كانت وزارتها شاغرة لذلك عين أحمد شاه المدعو علي بن الحسين وزيراً لدولته وجعله الأمر الناهي في البلاد وأعطاه صلاحيات واسعة ويقال بأنه لا أفهم وأقوى وأعظم من هذا الوزير أو يكون أحد قد سمع بمثله على الإطلاق من بين وزراء العصر ورجالات الدولة كما استقر سليمان بن فهد عند الملك أحمد شاه بكثير من الجلال والإحترام حتى تصالح مع قرواش ورجع الى الموصل واستقر في بيته .وكان الوزير علي بن الحسين قد عين ابن البركة رئيساً للديوان وجعل أحمد بن السليك الأرمنازي كاتباً لديه وأحمد بن السليك الآزكري(أحمد بن يوسف) هو من ملاذكرد التي تقع في منطقة (غرت برت) وهذه غير ملاذكرد التي تقع في منطقة خلاط وكان هذا رجلاً ذكياً وكاتباً وشاعراً كبيراً وقد ذهب عدة مرات الى القسطنطينية(استانبول) رسولاً من قبل أحمد شاه لمقابلة ملك الروم وجمع الكثير من الكتب القيمة ووزعها على مكتبات مدينتي آمد وفارقين ويقول ابن خلكان يقال الى اليوم لتلك الكتب ﺒ (كتب المنازي) وكان أحمد بن سليك الأرمنازي وزيراً لدى أحمد شاه المرواني وله ديوان شعر قيم ولكنه غير متوفر بما فيه الكفاية كما ألف كتباً قيمة أخرى والتقى في معرة النعمان بأبي العلاء المعري وتحاور معه وقد أورد (الختيري) في كتابه (زينة الدهر) اسمه وبعضاً من اشعاره وتوفي في سنة 437هجري وفيسنة 435هجري أو 422هجري توفي جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه الديلمي فخلفه ابنه عزيزالدولة ولكنه عزل من قبل قواد جيشه الأتراك وأحلوا محله ابن عمه (كاليجار) فهرب عزيز الدولة الى فارقين طالباً حماية أحمد شاه الكردي وبقي عنده معززاً مكرماً حتى توفي سنة 423هجري .هذا وقد بنى أحمد شاه جامع المحدثة(1) شمالي فارقين وصرف عليه الكثير من ماله الخاص وكان آية في التصميم والجمال كما أحدث الوزير المغربي في وزارته أموراً هامة وجيدة وبذلك سار ببلاد كردستان آمد وفارقين خطوات حثيثة نحو التقدم والإزدهار وأوصل الدولة الكردية الى مصاف الدول الكبرى كمصر وبغداد وتبوأت مكانة لائقة بين دول العلم كما أحسن الى الناس وعطف عليهم وتوفي في فارقين سنة 420هجري ووضعوا جسده في تابوت ونقل الى الكوفة حيث دفن بجوار قبر الإمام علي بن أبي طالب وقد وجد فيما بعد الف دينار في تابوته.والآن المغربي هي قرية تقع في مناطق أكراد بادينان(بهدينان) وتسكنها عائلة المغربي التي هي من نفس القرية وليست من بلاد المغرب كما يتبادر الى الذهن.
بناء النصرية :
النصرية مصيف جميل جداً تحلو الإقامة فيها في الصيف والخريف والربيع وسميت بالنصرية نسبة الى بانيها نصر الدولة شاه كردستان الذي أتحفها بالقصور الجميلة والبنايات الفخمة أما قصر الملك الذي بني على ضفة النهر فلا يستطيع أن يصنعه إنسان لحسن جماله وبهاءه وفي المدينة الكثير من البيوت الجميلة والحمامات والأسواق العامرة وفي كل مكان كانت تنتشر البيوت والقصور التي بناها أولاده وأقاربه كما ركب دولاباً على النهر لإستجرار المياه الى المدينة وعمر الحدائق والمصايف والبحيرات والبرك وبنى جسراً في بلدة تل بنان أما باب قصر الملك فكان مصنوعاً من معدن النحاس (الصفر) .ويقول ابن الأزرق.نقل هذا الباب من مكانه وأصبح اليوم باباً لأحد المساجد.ويمكننا القول بأن موقعاً مثل الذي تقع فيه النصرية ليس له مثيل من حيث الجمال والرونق والبهاء ومكان لانظير له للترفيه عن النفس والإستمتاع بالطبيعة الخضراء والماء والجمال وفي الربيع كان الملك يخرج مع أولاده ونساءه وأهاله ومعارفه الى بابودين وفي اليوم التالي يذهبون الى تل بنان وفي اليوم الرابع يصلون الى النصرية ويبيتون في الليلة الأولى في باتري وفي طريق المرور هذا بنيت المضافات والمساجد والجسور وأينما اتجهت تشاهد المروج الخضراء والسهول الواسعة والحدائق الغناء حيث تصدح البلابل على أغصانها أشهى الألحان وأعذبها وخرير الماء الرقاق يطرب آذان العاشقين ويملأ النفس بهجة وحبورا ويعود بالشيوخ الى أيام الصبا والشباب وكان الملك وأهله وأحباءه يقضون أشهر الربيع في هذا المصيف الجميل فخورين بجمال بلادهم أعزاء منتسين بعبق الفصل الباسم وسحره الأخاذ ومن جهته لم يبخل الملك على بلاده فقام بإنشاء الكثير من الجسور الكبيرة على الأنهار أنفق عليها غالباً من أمواله الخاصة وأجرى عليها الأوقاف مثل جسور الحسينية والحميدية وتل بنان وقطينا وبابودين والإبراهيمي وبرسده وبإختصار اهتم هذا الرجل بدولته ومديد الخير والرعاية الى جميع مناطق وميادين بلاده وصرف عليها الأموال وأغدق على الشعب الخيرات والعطايا بدون حساب ولم يمد يده يوماً الى مال أحد على غير وجه حق وكانت الهدايا تأتيه من كل مكان وقد مدحه الشعراء والمغنون أمثال التهامي وفاعيد بن ظريف وابن السوادي وسري عيدالله والفيدري كما أصبحت فارقين تحت حكمه ملاذ الخائفين وقلعة المستجبرين وقد استجار به لكلها كل من عزيز الدولة بن جلال الدولة البويهي وسليمان بن فهد والذخيرة ووالدته زوجة الخليفة العباسي وآخرون التجأوا إليه فأطعمهم وسقاهم وكساهم وأسبغ عليهم حمايته معززين ومكرمين لديه.
وزارة فخرالدولة بن جهير الموصلي :
يقال بأن قائد الجيش الكردي (أبو حكيم) كان من مدينة الحديثة وفي أحد الأيام شبح هذا القائد رأس أحد أقارب الملك والتجأالى بيت ابن عم الملك المدعو مرزبان بن بلاش بن كك كسرى فسعى الملك بنفسه ليخرجه من بيت ابن عمه ويلقي به في السجن فخرج إليه المرزبان ليقول له لايليق بمقام الملك أن يخرج عنوة من استجار ببيت ابن عمه ويمرغ كرامته في الوحل وأنت الملك كلنا نفديك بالدم والروح والمال ولن يعرض احدما تأمر به فأمرك مطاع وحكمك نافذ فاستحيا أحمد شاه وعاد الى بيته ثم أرسل الى حاكم مدينة آمد يطلب منه أن يرسل له ابن الجهير الموصلي فخرالدولة ليستوزره لديه فجاء إليه فخرالدولة واستقر في فارقين وأصبح وزيراً ومن هنا يظهر أن الأكراد لم يكونوا قد اكتسبوا خبرة بعد في أمور إدارة الدول إذ كيف يتسنى لملك كردي الإستعانة بشخص من الحديثة ليكون قائداً لجيشه ويكون ابن الجهير الموصلي وزيراً ليده هل من الحكمة أن يكون قائد الجيش من الديثة من خارج الدولة.وللعلم هناك مدينتان باسم الحديثة فهذا القائد كان من الديثة الواقعة على نهر الزاب قرب الموصل والحديثة الأخرى تقع في الشامية على نهر الفرات مقابل الأنبار. وقد بقي أولاد أبي حكيم ضباطاً وقادة في الجيش الكردي حتى عهد ابن الأزرق.وعندما أصبح ابن جهير وزيراً للدولة الكردية عام 430هجري جلب معه هدايا وتحفاً ثمينة الى أولاد أحمد شاه فلقبوه ب(كافي الدولة) وعندما استوزر هذا لدى خليفة بغداد لقب أيضاً ب(فخرالدولة) ولهذا فقد كان المروانيون يفتخرون بأنفسهم على أنهم شجعان لايهابون الردى وأشخاص أكفاء يتمتعون بعلو المقام والمنزلة الرفيعة كما كانوا يفتخرون لأنهم ساتوزروا وزيرين كبيرين ومشهورين أمثال (المغربي) و(ابن جهير الموصلي) وكانا قبل ذلك وزيرين في مصر وبغداد ولكن يظهر أن هؤلاء المروانيون على عكس ماادعوا كانوا عديمي الخبرة والكفاءة في قيادة الدولة أما كافي الدولة .فخرالدولة ابن جهيرالموصلي فقد كان ذكياً فطناً ووزيراً كبيراً عطوفاً وحكيماً وفي عهده لم يعرف وزيراً آخر في مثل قدرته وحنكته في أي مكان آخر.وقد مدحه الشعراء والمغنون فأجزل لهم العطاء أمثال الشاعر ابن سنان وابن حيوس ويهتقد البعض أن جهيراً قد استوزر في سنة 450هجري وفي هذه السنة دخل البصاصيري بن عبدالله التركي مدينة بغداد وسيطر عليها عنوة فهرب الخليفة القائم بأمر الله والتجأ الى الأمير(محارش) حاكم مدينة الحديثة على نهر الفرات وهرب زعيم عرب بني عقيل و(سيدة) زوجة الخليفة وابنها(ذخيرة) الى بلاط أحمد شاهالمرواني الملك الكردي واستقروا في آمد وفارقين وكان حاكم آمد نيفق على ذخيرة وأمه بعدما استأذن الشاه ليسمح له بالإنفاق عليهما من ماله الخاص وعندما سار(طغرل شاه) من خراسان ودخل بغداد عاد الخليفة وذخيرة وأمه الى بغداد حيث أرسلهما(1) أحمد شاه معززين مكرمين باذلاً لهما الأموال والهدايا بدون حساب وهنا إرتكب أحمد شاه خطأ جسيماً عندما أظهر للخليفة غناه وأمواله وما يملك من مقتنيات وجواهر تغري الطامعين وفي سنة 434هجري وجه طغرل شاه السلجوقي جيشاً بقيادة (ناصغلي) و(بوقا) الى الدولة الكردية للقضاء عليها فدارت رحى معركة حامية الوطيس بين الكرد والترك وكان أحمد شاه قد عرض على القائدين خمسين ألف دينار ليرجعا عن بلاده سلماً وفي لحظات من السكر والعربدة جرد القائدان السيوف على بعضهما فوقع قتلى كثيرون من أنصار الطرفين عندئذ هاجمهم الكرد وأبادوا قسماً كبيراً منهم وأسروا آخرين وغنموا الأموال والسلاح وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها احتكاك مباشر بين الكرد والأتراك السلاجقة ومنذ ذلك اليوم وطوال فترة حكم أحمد شاه لم يعاود السلاجقة مداهماتهملأرض الأكراد وفي عام 439هجري حل القائد (ألب أرسلان) محل طغرل شاه وفي نفس السنة توترت العلاقات بين احمد شاه وشريف الدولة. معتمد الدولة(قرواش) كما القى احمد شاه القبض على حاكم فارقين سعادة بن حسين بن بكر وأودعه السجن بتهمة خيانة الوطن وأغلق عليه الأبواب حتى توفي في سجنه وكان المذكور قد أرسل خفية رسالة الى حاكم الموصل وعندما سأله الملك عن ذلك أنكر ولكن اعترف كاتبه الذي أخذ الرسالة بذلك وقال نعم لقد أعطاني رسالة الى حاكم الموصل ثم أمرني أن أجلب له كتباً لايلتقى مثلها في فارقين ولكن لم يصدق احمد شاه الرواية ويقال بأنه قتل هذا الحاكم في السجن وعين مكانه (محمد بن شازان الطوسي) وسلمه وزارة الأوقاف أيضاً ولكنه اعتقل في عام 435أو 436هجري.هذا وقد نقش اسم احمد شاه على سور مدينة فارقين من الخارج في عشرة الى عشرين موضعاً ومن الداخل على ثلاثين موضعاً أو أكثر وجعل الكثير من القرى ودارداتها وقفاً على السور كما جعل الحمامين اللذين بناهما ملكاً للأوقاف وعمد أيضاً الى شق ثلاث سواقي وجرها من رأس العين (وهذه ليست مدينة رأس العين المشهورة في الجزيرة) الى المدينة ووزعها على القصور والحمامات والمساجد كما سحب المدعو (أحمد بن الجري) الماء من عين (جنباش) الى الجامع مروراً بغربي المدينة وجرها الى الكثير من المحلات والمواقع وصرف عليها خمسين ألف دينار أرمانوسي(روماني) وأرمانوس هذا هو رومانوس ملك الروم الذي توفي سنة 352هجري وهو من أحفاد الملك البيزنطي (باسيل) وفي أحد الأيام ربح أحد التجار في فارقين ويدعى (ابن بهاط) ﺑ خمسمائة دينار في يوم واحد فأرسل أحمد شاه في طلبه وسأله قائلاً أصحيح أنك ربحت اليوم ب خمسمائة دينار فقال له ابن بهاط التاجر نعم ورأس دولة الملك قالها ثم وضع الخمسمئة دينار بين يديه وقال هذه الدنانير بين يديك فخذ منها ماتشاء ولكن أعاد الملك إليه دنانيره وقال هذه أموالك لا أبغيها وحلف ألا يأخذ منها قرشاً واحداً وقال لاأريد أن آكل أموال أحد ولكني شعرت بفرح غامر حينما سمعت أن رجلاً في مدينتي قد كسب خمسمائة دينار في يوم واحد ولكن ابن مهاباط التاجر القدير حلف اليمين وأقسم ألا يرجع بهذه الأموال الى بيته وبعد أخذورد قال ابن بهاط يامولاي حتى لايرد عليك قسمك أرجو أن تسمح لي أن أشتري بهذه الدنانير قرية بني نوح لأجعلها وقفاً وبهذا الشكل تم شراء القرية المذكورة وأصبحت وقفاً على قلاع (آكل) و(الجاترة) و(اليماني) وهي قلاع تقع في منطقة آمد وتقع قرية بني نوح في جبال (فطراسا) كما بنى أحمد شاه قلعة جديدة في صاصون على الحدود بينه وبين الأرمن وأحاط القرية والقلعة بسور عال وكبير وماعدا أموال أبو بكر بن الجري لم ينهب أموال أحد وأما أبو بكر فقد سلبت أمواله على إثر وشاية أفادت بأن المذكور كان يريد تسليم المدينة الى أرامنة صاصون وعندما داهموا بيته صادروا الكثير من الأموال والأسلحة وأشياء أخرى ومقتنيات تقدر ب أربعمائة ألف دينار وتركوا مايقارب الثمانين ألفاً لأولاده كما بنى صرحاً في حدائق علي بن المنصور وصرف عليها أموالاً طائلة وكان بناءها على يد الوزير المشهور ابن جهير.هذا وقد تزوج أحمد شاه من أربعة نسوة وهن سيدة بنت قرواش ملك الموصل والفضلونية ابنة فضلون شاه حاكم أران وكذلك (كنجة) ابنة زعيم أرامنة صاصون وسنحاريب المغنية المصرية وكانت ابنة سنحاريب قبل ذلك زوجة لأخيه أبو علي حسن شاه. وكان لأحمد شاه ثلاثمائة وست وستون جارية كما كان قصره يعج بمالاتحصى من المغنيات والراقصات اللواتي بدد أمواله عليهن دون طائل ولذا لم يؤسس احمد شاه دولة قوية كانت ستبقى صامدة مئات السنين لينعم بخيراتها أطفال كردستان وشعبها هذه الأموال التي صرفها بدون حساب على النساء والمغنين والموسيقيين وأمور تافهة لاتجدي نفعاً كما صرف قسماً منها على المساجد والمآذن لو صرفت على شراء السيوف والدروع والتروس والمنجنيقات وآلات الحرب والحصار وعلى جيش كبير في عدده وعدته لإستطاع أن يوحد به كردستان ولبقي الأكراد أقوياء مرفوعي الرأس عزيزوا الجانب والما تجرأ أحد على مهاجمتهم أو التحرش بهم ولأصبحت كردستان دولة يحسب لها ألف حساب وقادرة على ردالصالح صاع صاعين للأعداء والطامعين وإذا استثنينا بعض العمران والبناء وبعض ماصرفه على الشعب نراه وقد القى بأعباء ضخمة على كاهل أبنائه يعز حملها.وكان هذا الملك يجلس يوماً مع جنوده فيأكل ويشرب معهم ويماً مع أطفاله وأهله ومعارفه يأكل ويشرب معهم ويجالس يوماً المغنين والراقصات والموسيقيين والجواري وفي الليل كان يترك احداهن عنده ويوماً يجمع أولاده فيأكل معهم ويشرب ويرقص وكان إذا حل دور إحدى نسائه يتركها عنده لينام معها في غرفته وفي الصباح يخرج للصيد ويعود ظهراً وبعد ساعة يدخل إليه وزيره فقط حيث يتداولان في أمور الدولة ثم ينام قليلاً ويستيقظ ليجلس على موائد الطعام وهكذا حتى يمضي الهزيع الأول من الليل فيؤتى عندئذ بالقيان والمغنين والجواري يرقصن بين يديه ويقضي هكذا ليلته بفرح وحبور وفي الصباح ينهض من نومه ليغتسل ويصلي وقد سأل أحد معاصريه فيما إذا كان صحيحاً أن احمد شاه قد حكم ثلاث وخمسون عاماً فرد الرجل وقال بل حكم مئة وست سنوات لأن لياليه كانت كأيامه يمضيها بالفرح والمسرة ويقال بأن فلكياً هندياً زاره في أحد الأيام وقال له هناك شخص تحبه كثيراً سيؤل إليه يوماً ما حكم هذه العائلة والدولة وسنتزع الملك من آل مروان عندئذ التفت أحمد شاه الى ابن جهير وقال غذا كان ذلك الشخص موجوداً فلن يكون غير هذا وأشار الى وزيره ولكن طأطأ الوزير المحنك رأسه بخشوع وقال لا لا يمكن أن تسيء بي الظنون يامولاي فمن أنا حتى أقوم بهذا العمل الجبان أو أستطيع حتى القيام به ويقول ابن الأزرق بهذا الصدد أن أبي حدثني عن هذا الوزير فقال: قال لي ابن الجهير والله لقد دغدغ مشاعري منذ ذلك اليوم حب السيطرة على أملاك ودولة آل مروان وفي سنة 449هجري تمكن ابن جهير من عزل حاكم فارقين محمد بن شازان وعين مكانه علي بن الآمدي لأن والد هذا الأخير كان سبباً في استوزار ابن جهير الذي نصح الملك قائلاً إذا كنت لاتريد أن تخرج مدينة آمد مرة أخرى من يدك فيجب أن تجعل ابن الآمدي حاكماً على فارقين لأننا نكسب مرتين مرة نفرح والده به وأخرى نجعله رهينة لدينا لأنه عندما جاء علي الى فارقين كان والده وأخوه أبو الحسن وابن أيوب وابن بكرون وخطيب بن العقيل كلهم كانوا من زعماء مدينة آمد ووجهاءها وفي سنة 451هجري أودع أحمد شاه الحاكم ابن البغل الآمدي السجن ونهب أمواله وتوفي في سجنه وحل ولديه فيما بعد محل أباهما أحدهما وهو علي أصبح حاكماً على فارقين واستقر أبو الحسن في آمد ودفنا والدهما في مقبرة باب الروم.وتوفي الملك الكردي أحمد شاه في عام 453هجري فترك وراءه الدولة والمال والجاه ودفن في مقبرة السيتلي (الأعمدة الثلاث) ولكن يذهب البعض الى أنه دفن في مسجد المحدثة وقد ورد في الهامش المجلد الأول ان (السيد لي ) ليست كلمة عربية بل يقصد بها (السيتلي) ومعناها بالكردية الأعمدة الثلاث ولذلك أقول أن كلمة السيتلي كردية ويحتمل أن كلمة الصيدلي قد اشتقت منها أيضاً وفي سنة 456هجري أنشأت ابنته ست الملك مقبرة باسم المروانيين في فارقين ونقلت رفاة والدها الى هناك وبنت عليه قبة وكانت القبة تقع بجوار المسجد في ميدان فارقين.