2
ضرب البحر ذو العباب حواليـ *** ـها سماء قد أكبرتها السماء
3
ورأى المارقون من شرك الأر *** ض شباكا تمدها الدأماء
4
وجبالا موائجا في جبال *** تتدجى كأنها الظلماء
5
ودويا كما تأهبت الخيـ *** ـل وهاجت حماتها الهيجاء
6
لجة عند لجة عند أخرى *** كهضاب ماجت بها البيداء
7
وسفين طورا تلوح وحينا *** يتولى أشباحهن الخفاء
8
نازلات في سيرها صاعدات *** كالهوادي يهزهن الحداء
9
رب إن شئت فالفضاء مضيق *** وإذا شئت فالمضيق فضاء
10
فاجعل البحر عصمة وابعث الرحـ *** ـمة فيها الرياح والأنواء
11
أنت أنس لنا إذا بعد الإنـ *** ـس وأنت الحياة والإحياء
12
يتولى البحار مهما ادلهمت *** منك في كل جانب لألاء
13
وإذا ما علت فذاك قيام *** وإذا ما رغت فذاك دعاء
14
فإذا راعها جلالك خرت *** هيبة فهي والبساط سواء
15
والعريض الطويل منها كتاب *** لك فيه تحية وثناء
16
يا زمان البحار لولاك لم تفـ *** ـجع بنعمى زمانها الوجناء
17
فقديما عن وخدها ضاق وجه الـ *** ـأرض وانقاد بالشراع الماء
18
وانتهت إمرة البحار إلى الشر *** ق وقام الوجود فيما يشاء
19
وبنينا فلم نخل لبان *** وعلونا فلم يجزنا علاء
20
وملكنا فالمالكون عبيد *** والبرايا بأسرهم أسراء
21
قل لبان بنى فشاد فغالى *** لم يجز مصر في الزمان بناء
22
ليس في الممكنات أن تنقل الأجـ *** بال شما وأن تنال السماء
23
أجفل الجن عن عزائم فرعو *** ن ودانت لبأسها الآناء
24
شاد ما لم يشد زمان ولا أنـ *** ـشأ عصر ولا بنى بناء
25
هيكل تنثر الديانات فيه *** فهي والناس والقرون هباء
26
وقبور تحط فيها الليالي *** ويوارى الإصباح والإمساء
27
تشفق الشمس والكواكب منها *** والجديدان والبلى والفناء
28
زعموا أنها دعائم شيدت *** بيد البغي ملؤها ظلماء
29
فاعذر الحاسدين فيها إذا لا *** موا فصعب على الحسود الثناء
30
دمر الناس والرعية في تشـ *** ـييدها والخلائق الأسراء
31
أين كان القضاء والعدل والحكـ *** ـمة والرأي والنهى والذكاء
32
وبنو الشمس من أعزة مصر *** والعلوم التي بها يستضاء
33
فادعوا ما ادعى أصاغر آثيـ *** ـنا ودعواهم خنا وافتراء
34
ورأوا للذين سادوا وشادوا *** سبة أن تسخر الأعداء
35
إن يكن غير ما أتوه فخار *** فأنا منك يا فخار براء
36
ليت شعري والدهر حرب بنيه *** وأياديه عندهم أفياء
37
ما الذي داخل الليالي منا *** في صبانا ولليالي دهاء
38
فعلا الدهر فوق علياء فرعو *** ن وهمت بملكه الأرزاء
39
أعلنت أمرها الذئاب وكانوا *** في ثياب الرعاة من قبل جاؤوا
40
وأتى كل شامت من عدا الملـ *** ـك إليهم وانضمت الأجزاء
41
ومضى المالكون إلا بقايا *** لهم في ثرى الصعيد التجاء
42
فعلى دولة البناة سلام *** وعلى ما بنى البناة العفاء
43
وإذا مصر شاة خير لراعي الس *** ـسوء تؤذى في نسلها وتساء
44
قد أذل الرجال فهي عبيد *** ونفوس الرجال فهي إماء
45
فإذا شاء فالرقاب فداه *** ويسير إذا أراد الدماء
46
ولقوم نواله ورضاه *** ولأقوام القلى والجفاء
47
ففريق ممتعون بمصر *** وفريق في أرضهم غرباء
48
إن ملكت النفوس فابغ رضاها *** فلها ثورة وفيها مضاء
49
يسكن الوحش للوثوب من الأسـ *** ـر فكيف الخلائق العقلاء
50
يحسب الظالمون أن سيسودو *** ن وأن لن يؤيد الضعفاء
51
والليالي جوائر مثلما جا *** روا وللدهر مثلهم أهواء
52
لبثت مصر في الظلام إلى أن *** قيل مات الصباح والأضواء
53
لم يكن ذاك من عمى كل عين *** حجب الليل ضوءها عمياء
54
ما نراها دعا الوفاء بنيها *** وأتاهم من القبور النداء
55
ليزيحوا عنها العدا فأزاحوا *** وأزيحت عن جفنها الأقذاء
56
وأعيد المجد القديم وقامت *** في معالي آبائها الأبناء
57
وأتى الدهر تائبا بعظيم *** من عظيم آباؤه عظماء
58
من كرمسيس في الملوك حديثا *** ولرمسيس الملوك فداء
59
بايعته القلوب في صلب سيتي *** يوم أن شاقها إليه الرجاء
60
واستعد العباد للمولد الأكـ *** ـبر وازينت له الغبراء
61
جل سيزوستريس عهدا وجلت *** في صباه الآيات والآلاء
62
فسمعنا عن الصبي الذي يعـ *** ـفو وطبع الصبا الغشوم الإباء
63
ويرى الناس والملوك سواء *** وهل الناس والملوك سواء
64
وأرانا التاريخ فرعون يمشي *** لم يحل دون بشره كبرياء
65
يولد السيد المتوج غضا *** طهرته في مهدها النعماء
66
لم يغيره يوم ميلاده بؤ *** س ولا ناله وليدا شقاء
67
فإذا ما المملقون تولو *** ه تولى طباعه الخيلاء
68
وسرى في فؤاده زخرف القو *** ل تراه مستعذبا وهو داء
69
فإذا أبيض الهديل غراب *** وإذا أبلج الصباح مساء
70
جل رمسيس فطرة وتعالى *** شيعة أن يقوده السفهاء
71
وسما للعلا فنال مكانا *** لم ينله الأمثال والنظراء
72
وجيوش ينهضن بالأرض ملكا *** ولواء من تحته الأحياء
73
ووجود يساس والقول فيه *** ما يقول القضاة والحكماء
74
وبناء إلى بناء يود الخلـ *** ـد لو نال عمره والبقاء
75
وعلوم تحي البلاد وبنتا *** هور فخر البلاد والشعراء
76
إيه سيزوستريس ماذا ينال الـ *** ـوصف يوما أو يبلغ الإطراء
77
كبرت ذاتك العلية أن تحـ *** ـصي ثناها الألقاب والأسماء
78
لك آمون والهلال إذا يكـ *** ـبر والشمس والضحى آباء
79
ولك الريف والصعيد وتاجا *** مصر والعرش عاليا والرداء
80
ولك المنشآت في كل بحر *** ولك البر أرضه والسماء
81
ليت لم يبلك الزمان ولم يبـ *** ـل لملك البلاد فيك رجاء
82
هكذا الدهر حالة ثم ضد *** ما لحال مع الزمان بقاء
83
لا رعاك التاريخ يا يوم قمبيـ *** ـز ولا طنطنت بك الأنباء
84
دارت الدائرات فيك ونالت *** هذه الأمة اليد العسراء
85
فمبصر مما جنيت لمصر *** أي داء ما إن إليه دواء
86
نكد خالد وبؤس مقيم *** وشقاء يجد منه شقاء
87
يوم منفيس والبلاد لكسرى *** والملوك المطاعة الأعداء
88
يأمر السيف في الرقاب وينهى *** ولمصر على القذى إغضاء
89
جيء بالمالك العزيز ذليلا *** لم تزلزل فؤاده البأساء
90
يبصر الآل إذ يراح بهم في *** موقف الذل عنوة ويجاء
91
بنت فرعون في السلاسل تمشي *** أزعج الدهر عريها والحفاء
92
فكأن لم ينهض بهودجها الدهـ *** ـر ولا سار خلفها الأمراء
93
وأبوها العظيم ينظر لما *** رديت مثلما تردى الإماء
94
أعطيت جرة وقيل إليك النـ *** ـنهر قومي كما تقوم النساء
95
فمشت تظهر الإباء وتحمي الدمـ *** ـع أن تسترقه الضراء
96
والأعادي شواخص وأبوها *** بيد الخطب صخرة صماء
97
فأرادوا لينظروا دمع فرعو *** ن وفرعون دمعه العنقاء
98
فأروه الصديق في ثوب فقر *** يسأل الجمع والسؤال بلاء
99
فبكى رحمة وما كان من يبـ *** ـكي ولكنما أراد الوفاء
100
هكذا الملك والملوك وإن جا *** ر زمان وروعت بلواء
101
لا تسلني ما دولة الفرس ساءت *** دولة الفرس في البلاد وساؤوا
102
أمة همها الخرائب تبلي *** ها وحق الخرائب الإعلاء
103
سلبت مصر عزها وكستها *** ذلة ما لها الزمان انقضاء
104
وارتوى سيفها فعاجلها الـ *** ـله بسيف ما إن له إرواء
105
طلبة للعباد كانت لإسكنـ *** ـدر في نيلها اليد البيضاء
106
شاد إسكندر لمصر بناء *** لم تشده الملوك والأمراء
107
بلدا يرحل الأنام إليه *** ويحج الطلاب والحكماء
108
عاش عمرا في البحر ثغر المعالي *** والمنار الذي به الاهتداء
109
مطمئنا من الكتائب والكتـ *** ـب بما ينتهي إليه العلاء
110
يبعث الضوء للبلاد فتسري *** في سناه الفهوم والفهماء
111
والجواري في البحر يظهرن عز الـ *** ـملك والبحر صولة وثراء
112
والرعايا في نعمة ولبطلي *** موس في الأرض دولة علياء
113
فقضى الله أن تضيع هذا الـ *** ـملك أنثى صعب عليها الوفاء
114
تخذتها روما إلى الشر تمهيـ *** دا وتمهيده بأنثى بلاء
115
فتناهى الفساد في هذه الأر *** ض وجاز الأبالس الإغواء
116
ضيعت قيصر البرية أنثى *** يا لربي مما تجر النساء
117
فتنت منه كهف روما المرجى *** والحسام الذي به الاتقاء
118
قاهر الخصم والجحافل مهما *** جد هول الوغى وجد اللقاء
119
فأتاها من ليس تملكه أنـ *** ـثى ولا تسترقه هيفاء
120
بطل الدولتين حامى حمى رو *** ما الذي لا تقوده الأهواء
121
أخذ الملك وهي في قبضة الأفـ *** ـعى عن الملك والهوى عمياء
122
سلبتها الحياة فاعجب لرقطا *** ء أراحت منها الورى رقطاء
123
لم تصب بالخداع نجحا ولكن *** خدعوها بقولهم حسناء
124
قتلت نفسها وظنت فداء *** صغرت نفسها وقل الفداء
125
سل كلوبترة المكايد هلا *** صدها عن ولاء روما الدهاء
126
فبروما تأيدت وبروما *** هي تشقى وهكذا الأعداء
127
ولروما الملك الذي طالما وا *** فاه في السر نصحها والولاء
128
وتولت مصرا يمين على المصـ *** ري من دون ذا الورى عسراء
129
تسمع الأرض قيصرا حين تدعو *** وعقيم من أهل مصر الدعاء
130
وينيل الورى الحقوق فإن نا *** دته مصر فأذنه صماء
131
فاصبري مصر للبلاء وأنى *** لك والصبر للبلاء بلاء
132
ذا الذي كنت تلتجين إليه *** ليس منه إلى سواه النجاء
133
رب شقت العباد أزمان لا كتـ *** ـب بها يهتدى ولا أنبياء
134
ذهبوا في الهوى مذاهب شتى *** جمعتها الحقيقة الزهراء
135
فإذا لقبوا قويا إلها *** فله بالقوى إليك انتهاء
136
وإذا آثروا جميلا بتنزيـ *** ـه فإن الجمال منك حباء
137
وإذا أنشئوا التماثيل غرا *** فإليك الرموز والإيماء
138
وإذا قدروا الكواكب أربا *** با فمنك السنا ومنك السناء
139
وإذا ألهوا النبات فمن آ *** ثار نعماك حسنه والنماء
140
وإذا يمموا الجبال سجودا *** فالمراد الجلالة الشماء
141
وإذا تعبد البحار مع الأسـ *** ـماك والعاصفات والأنواء
142
وسباع السماء والأرض والأر *** حام والأمهات والآباء
143
لعلاك المذكرات عبيد *** خضع والمؤنثات إماء
144
جمع الخلق والفضيلة سر *** شف عنه الحجاب فهو ضياء
145
سجدت مصر في الزمان لإيزيـ *** ـس الندى من لها اليد البيضاء
146
إن تل البر فالبلاد نضار *** أو تل البحر فالرياح رخاء
147
أو تل النفس فهي في كل عضو *** أو تل الأفق فهي فيه ذكاء
148
قيل إيزيس ربة الكون لولا *** أن توحدت لم تك الأشياء
149
واتخذت الأنوار حجبا فلم تبـ *** ـصرك أرض ولا رأتك سماء
150
أنت ما أظهر الوجود وما أخـ *** ـفى وأنت الإظهار والإخفاء
151
لك آبيس والمحبب أوزيـ *** ـريس وابناه كلهم أولياء
152
مثلت للعيون ذاتك والتمـ *** ـثيل يدني من لا له إدناء
153
وادعاك اليونان من بعد مصر *** وتلاه في حبك القدماء
154
فإذا قيل ما مفاخر مصر *** قيل منها إيزيسها الغراء
155
رب هذي عقولنا في صباها *** نالها الخوف واستباها الرجاء
156
فعشقناك قبل أن تأتي الرسـ *** ـل وقامت بحبك الأعضاء
157
ووصلنا السرى فلولا ظلام الـ *** ـجهل لم يخطنا إليك اهتداء
158
واتخذنا الأسماء شتى فلما *** جاء موسى انتهت لك الأسماء
159
حجنا في الزمان سحرا بسحر *** واطمأنت إلى العصا السعداء
160
ويريد الإله أن يكرم العقـ *** ـل وألا تحقر الآراء
161
ظن فرعون أن موسى له وا *** ف وعند الكرام يرجى الوفاء
162
لم يكن في حسابه يوم ربى *** أن سيأتي ضد الجزاء الجزاء
163
فرأى الله أن يعق وللـ *** ـه تفي لا لغيره الأنبياء
164
مصر موسى عند انتماء وموسى *** مصر إن كان نسبة وانتماء
165
فبه فخرها المؤيد مهما *** هز بالسيد الكليم اللواء
166
إن تكن قد جفته في ساعة الشك *** فحظ الكبير منها الجفاء
167
خلة للبلاد يشقى بها النا *** س وتشقى الديار والأبناء
168
فكبير ألا يصان كبير *** وعظيم أن ينبذ العظماء
169
ولد الرفق يوم مولد عيسى *** والمروءات والهدى والحياء
170
وازدهى الكون بالوليد وضاءت *** بسناه من الثرى الأرجاء
171
وسرت آية المسيح كما يسـ *** ـري من الفجر في الوجود الضياء
172
تملأ الأرض والعوالم نورا *** فالثرى مائج بها وضاء
173
لا وعيد لا صولة لا انتقام *** لا حسام لا غزوة لا دماء
174
ملك جاور التراب فلما *** مل نابت عن التراب السماء
175
وأطاعته في الإله شيوخ *** خشع خضع له ضعفاء
176
أذعن الناس والملوك إلى ما *** رسموا والعقول والعقلاء
177
فلهم وقفة على كل أرض *** وعلى كل شاطئ إرساء
178
دخلوا ثيبة فأحسن لقيا *** هم رجال بثيبة حكماء
179
فهموا السر حين ذاقوا وسهل *** أن ينال الحقائق الفهماء
180
فإذا الهيكل المقدس دير *** وإذا الدير رونق وبهاء
181
وإذا ثيبة لعيسى ومنفيـ *** ـس ونيل الثراء والبطحاء
182
إنما الأرض والفضاء لربي *** وملوك الحقيقة الأنبياء
183
لهم الحب خالصا من رعايا *** هم وكل الهوى لهم والولاء
184
إنما ينكر الديانات قوم *** هم بما ينكرونه أشقياء
185
هرمت دولة القياصر والدو *** لات كالناس داؤهن الفناء
186
ليس تغني عنها البلاد ولا ما *** ل الأقاليم إن أتاها النداء
187
نال روما ما نال من قبل آثيـ *** ـنا وسيمته ثيبة العصماء
188
سنة الله في الممالك من قبـ *** ـل ومن بعد ما لنعمى بقاء
189
أظلم الشرق بعد قيصر والغر *** ب وعم البرية الإدجاء
190
فالورى في ضلاله متماد *** يفتك الجهل فيه والجهلاء
191
عرف الله ضلة فهو شخص *** أو شهاب أو صخرة صماء
192
وتولى على النفوس هوى الأو *** ثان حتى انتهت له الأهواء
193
فرأى الله أن تطهر بالسيـ *** ـف وأن تغسل الخطايا الدماء
194
وكذاك النفوس وهي مراض *** بعض أعضائها لبعض فداء
195
لم يعاد الله العبيد ولكن *** شقيت بالغباوة الأغبياء
196
وإذا جلت الذنوب وهالت *** فمن العدل أن يهول الجزاء
197
أشرق النور في العوالم لما *** بشرتها بأحمد الأنباء
198
باليتيم الأمي والبشر المو *** حى إليه العلوم والأسماء
199
قوة الله إن تولت ضعيفا *** تعبت في مراسه الأقوياء
200
أشرف المرسلين آيته النط *** ق مبينا وقومه الفصحاء
201
لم يفه بالنوابغ الغر حتى *** سبق الخلق نحوه البلغاء
202
وأتته العقول منقادة اللبـ *** ـب ولبى الأعوان والنصراء
203
جاء للناس والسرائر فوضى *** لم يؤلف شتاتهن لواء
204
وحمى الله مستباح وشرع الـ *** ـله والحق والصواب وراء
205
فلجبريل جيئة ورواح *** وهبوط إلى الثرى وارتقاء
206
يحسب الأفق في جناحيه نور *** سلبته النجوم والجوزاء
207
تلك آي الفرقان أرسلها الـ *** ـله ضياء يهدي به من يشاء
208
نسخت سنة النبيين والرسـ *** ـل كما ينسخ الضياء الضياء
209
وحماها غر كرام أشدا *** ء على الخصم بينهم رحماء
210
أمة ينتهي البيان إليها *** وتؤول العلوم والعلماء
211
جازت النجم واطمأنت بأفق *** مطمئن به السنا والسناء
212
كلما حثت الركاب لأرض *** جاور الرشد أهلها والذكاء
213
وعلا الحق بينهم وسما الفضـ *** ـل ونالت حقوقها الضعفاء
214
تحمل النجم والوسيلة والميـ *** ـزان من دينها إلى من تشاء
215
وتنيل الوجود منه نظاما *** هو طب الوجود وهو الدواء
216
يرجع الناس والعصور إلى ما *** سن والجاحدون والأعداء
217
فيه ما تشتهي العزائم إن همـ *** ـم ذووها ويشتهي الأذكياء
218
فلمن حاول النعيم نعيم *** ولمن آثر الشقاء شقاء
219
أيرى العجم من بني الظل والما *** ء عجيبا أن تنجب البيداء
220
وتثير الخيام آساد هيجا *** ء تراها آسادها الهيجاء
221
ما أنافت على السواعد حتى الـ *** ـأرض طرا في أسرها والفضاء
222
تشهد الصين والبحار وبغدا *** د ومصر والغرب والحمراء
223
من كعمرو البلاد والضاد مما *** شاد فيها والملة الغراء
224
شاد للمسلمين ركنا جساما *** ضافي الظل دأبه الإيواء
225
طالما قامت الخلافة فيه *** فاطمأنت وقامت الخلفاء
226
وانتهى الدين بالرجاء إليه *** وبنو الدين إذ هم ضعفاء
227
من يصنه يصن بقية عز *** غيض الترك صفوه والثواء
228
فابك عمرا إن كنت منصف عمرو *** إن عمرا لنير وضاء
229
جاد للمسلمين بالنيل والنيـ *** ـل لمن يقتنيه أفريقاء
230
فهي تعلو شأنا إذا حرر النيـ *** ـل وفي رقه لها إزراء
231
واذكر الغر آل أيوب وامدح *** فمن المدح للرجال جزاء
232
هم حماة الإسلام والنفر البيـ *** ـض الملوك الأعزة الصلحاء
233
كل يوم بالصالحية حصن *** وببلبيس قلعة شماء
234
وبمصر للعلم دار وللضيـ *** ـفان نار عظيمة حمراء
235
ولأعداء آل أيوب قتل *** ولأسراهم قرى وثواء
236
يعرف الدين من صلاح ويدري *** من هو المسجدان والإسراء
237
إنه حصنه الذي كان حصنا *** وحماه الذي به الاحتماء
238
يوم سار الصليب والحاملوه *** ومشى الغرب قومه والنساء
239
بنفوس تجول فيها الأماني *** وقلوب تثور فيها الدماء
240
يضمرون الدمار للحق والنا *** س ودين الذين بالحق جاؤوا
241
ويهدون بالتلاوة والصلـ *** ـبان ما شاد بالقنا البناء
242
فتلقتهم عزائم صدق *** نص للدين بينهن خباء
243
مزقت جمعهم على كل أرض *** مثلما مزق الظلام الضياء
244
وسبت أمرد الملوك فردتـ *** ـه وما فيه للرعايا رجاء
245
ولو أن المليك هيب أذاه *** لم يخلصه من أذاها الفداء
246
هكذا المسلمون والعرب الخا *** لون لا ما يقوله الأعداء
247
فبهم في الزمان نلنا الليالي *** وبهم في الورى لنا أنباء
248
ليس للذل حيلة في نفوس *** يستوي الموت عندها والبقاء
249
واذكر الترك إنهم لم يطاعوا *** فيرى الناس أحسنوا أم أساؤوا
250
حكمت دولة الجراكس عنهم *** وهي في الدهر دولة عسراء
251
واستبدت بالأمر منهم فبا *** شا الترك في مصر آلة صماء
252
يأخذ المال من مواعيد ما كا *** نوا لها منجزين فهي هباء
253
ويسومونه الرضا بأمور *** ليس يرضى أقلهن الرضاء
254
فيداري ليعصم الغد منهم *** والمداراة حكمة ودهاء
255
وأتى النسر ينهب الأرض نهبا *** حوله قومه النسور ظماء
256
يشتهي النيل أن يشيد عليه *** دولة عرضها الثرى والسماء
257
حلمت رومة بها في الليالي *** ورآها القياصر الأقوياء
258
فأتت مصر رسلهم تتوالى *** وترامت سودانها العلماء
259
ولو استشهد الفرنسيس روما *** لأتتهم من رومة الأنباء
260
علمت كل دولة قد تولت *** أننا سمها وأنا الوباء
261
قاهر العصر والممالك نابلـ *** ـيون ولت قواده الكبراء
262
جاء طيشا وراح طيشا ومن قبـ *** ـل أطاشت أناسها العلياء
263
سكتت عنه يوم عيرها الأهـ *** ـرام لكن سكوتها استهزاء
264
فهي توحي إليه أن تلك واتر *** لو فأين الجيوش أين اللواء