وفي سنة 282هجري أرسل الخليفة جيشاً كبيراً الى كردستان بقيادة (وصيف بن موشخير) التركي وكان قد تحصن فيها حمدون بن حمدان ونشب قتال عنيف بين الوصيف والكرد وكان الأمير حسن بن علي كوره قد تحصن في قلعة الزعفران التي تقع شمال الموصل ومالبث أن استسلم الحكام الكرد والعرب واحداً بعد الآخر الى جيش بغداد فبقوا في مناصبهم بعد أن أعطوا الأمان وفي هذه السنة جعل الخليفة الأمير حسن هذا حاكماً على الموصل وأرسله بجيش كبير لمحاربة هارون الشاري الخارجي كما راسل الحكام وزعماء المنطقة طالباً منهم الإنضمام الى الأمير حسن والقتال تحت رايته ضد هارون الخارجي فجمع الأمير حسن قواته التي تقاطرت عليه من كل جانب واندفع كالليث الهصور نحو ساحة الوغى حيث دارت بين الطرفين رحى معركة حامية الوطيس في قرية(مقلة) وكانت الحرب سجالاً بينهما حيث بادر جيش هارون بشن سبع عشرة هجوماً على جيش الأمير حسن ولكن لم يتزحزح جيشه الكردي من مكانه في استيسال غريب وأخيراً شن هارون هجوماً صاعقاً على خصمه فتراجع جيش الأمير حسن نحو الخلف وبقي محده صامداً في ميدان المعركة لايهاب الردى وتناوشت السيوف راسه من جميع الجهات ولكنه لم يتأثر بها نظراً لدفاعه المستميت وفي وسط هذا الموقف الغريب أدرك الخجل اصحابه الذين تخلوا عنه في ساعات الشدة فرجعوا الى ساحة المعركة بقوة وألحقوا الهزيمة بجيش هارون وشتتوا شمله فهرب بعضهم الى أذربيجان وبقي مع هارون بعض الفرسان ومن الذين هربوا الى أذربيجان الأمير ابراهيم والأمير ديسم حيث أصبح أولاد هذا الأخير حكاماً على أذربيجان وقسم آخر استسلم للأمير حسن حاكم الأكراد ومناطق الموصل وأخيراً قتل هارون في برية خالية ورجع الأمير حسن الى الموصل وفي هذه السنة تحصن الحرس بن عبدالعزيز بن أبي دلف الإجلي ضد الخليفة العباسي ومن بغداد عاصمة الخلافة خرج جيش كبير بقيادة الأمير عيسى نوشري الى كردستان وفي تطور لاحق قتل أبو ليلى الحرس ولا أريد أن أطيل قصة أبوليلى لأنها سترد لاحقاً.هذا وأن عائلة أبو دلف الإجلي كانت غريبة بالأصل عن هذه المناطق ولكنها أنشأت دولة لها في كردستان التي كان منها جنودها وفي سنة 288هجري أرسل الأمير حسن بن علي كوره حاكم الموصل جيشاً الى الروم بقيادة نزار بن محمد وتمكن هذا القائد الكبير من فتح الكثير من قلاع الروم ونهبها كما جلب معه أسرى كثيرون وغنائم هامة وفي سنة 289هجري ارسل الأمير حسن رسولاً الى بدر خادم الخليفة العباسي ليقول له (اختر اية بقعة من بلادي وسأهبها لك) ولكن رفض البدر أن يذهب الى أحد وفي عام 290هجري هرب أبو سعيد القائد الخوارزمي من بغداد الى تكريت وقتل حاكمها(غلامنون) وتحصن فيها وتصهر مع الربيع الكردي عن طريق تبادل النساء ثم أصبحا عدوين لدودين للعباسيين وفي عام 293هجري أصبح أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان بن حمدون حاكماً على الموصل وعندما دخل المدينة صرخ الناس وقالوا أن اكراد الهذباني يتقدمون بقيادة محمد بن بلال لنهب نينوى فكان لابد لأبو الهيجاء من محاربة هؤلاء الأكراد الذين مالبثوا أن انتصروا عليه في (مرويان) بعد معارك عنيفة قرب نهر الخارز قتل في هذه المعركة ابن عم أبو الهجاء المدعو سيما الحمداني ورجع عبدالله الى الموصل يجر أذيال الهزيمة فطلب النجدة من الخليفة العباسي وعندما وصلته النجدات هاجم أكراد الهذباني الذين تحصنوا في جبال السلق وهي من سلاسل جبال شهرزور الشديدة الوعورة والضيقة المسالك والممرات وأخيراً نجا محمد بن بلال من براثن الموت باعجوبة وبحيل بارعة وتحصن في جبل قنديل فعاد جيش الموصل ادراجه وبعد فترة سمع عبدالله بعودة محمد بن بلال الى نصب خيامه مرة أخرى في جبال السلق فجرد عليه جيشاً كبيراً لمحاربته ولكن أعاقت الثلوج الغزيرة تقدمه في هذه الجبال بالإضافةالى عدم قدرة الجيش العربي على القتال في مثل هذه الظروف الجوية غير الملائمة فرجع الجيش العربي صلحاً الى الموصل وجعل محمد بن بلال حاكماً على (الحره) بعد أن حصل هو وجيشه على الأمان وذهب الأمير محمد وأولاده الى الموصل ووضع الأكراد الحميديين والداسنيين وأكراد المنطقة عموماً أنفسهم تحت عدالة حاكم الموصل واحداً بعد الآخر وبقي كل منهم في منصبه.وفي سنة 294هجري تحصن عبدالله بن أسيب المسمعي حاكم الموصل في أصفهان ضد الخليفة العباسي ومعه عشرة آلاف من المقاتلين الكرد والذين سيطروا على جميع مناطق الموصل فسار عليهم الحسن بن أحمد وقتل منهم خلق كثير وسلب أموالهم وسبى نسائهم وذراريهم أما زعمائهم فقد التجأوا الى الجبال ولم يستطع الحسن مطاردتهم فرجع الى الموصل وفي سنة 304هجري أرسل الخليفة خادمه (مؤنس) بجيش كبير الى أذربيجان التي تحصن فيها يوسف بن أبي ساج الديلمي وتمكن مؤنس من أسر يوسف وجاء به الى بغداد ولكنه استولى أحد قواد هذا الأخير على أذربيجان ويدعى (موسك) فأرسل الخليفة جيشاً للقضاء عليه بقيادة محمد بن عبدالله الفارقيني الذي لاذ بالفرار في أول لقاءله مع جيش سبك(1) وعاد الى بغداد وفي سنة 314هجري تمكن الأكراد والعرب المجاورين للموصل من إثارة الكثير من القلاقل والإضطرابات في وجه دولة الموصل فأرسل عبدالله من بغداد الى ابنه حسين ناصر الدولة يقول له أريدك أن تقضي عاجلاً على هذه الفوضى والفتن وتعيدالعرب والأكراد الى جادة الصواب وتخضعهم لحكمك.وبعدما تفرغ الأمير حسين من العرب ذهب لملاقاة الكرد في شهرزرو لاسكات الأكراد الجلاليين ودارت بين الطرفين معارك حامية انتهت بعودة الحسين صلحاً الى الموصل .وفي سنة 316هجري سار (مراداويج) قائد جيش اصفرشاه الديلمي بقواته الى (شميران) و(طرم) وطلب من الأمير محمد سالار بن مسافر الكردي أن يقدم الولاء لأصفر شاه والخضوع لحكمه ولكن شرح له الأمير(محمد سالار) عسف وجور الأصفر وتجبره وقال له: إذا بادرت الى قتل هذا الشاه فسنعلن ولائنا لك ونكون من اتباعك المخلصين عندئذ سار (مراداويج)الى شاه الديلم وقتله وبذلك أصبح ملكاً ولم يكن هذا بأقل من الأصفر ظلماً وتعسفاً فصب جام غضبه على الأكراد وأذاقهم المر والهوان.وقد رويت هذه الحادثة لقرائنا ومثقفينا ليعلموا أن الأكراد ومنذ عصور صدر الإسلام وحتى اليوم يعيشون وسط حروب ومذابح وصراعات لاتنتهي ويتطلعون دائماً الى الإنعتاق مما يعيشون فيه من غبن وجور نحو المجد والحرية والإستقلال ولكنهم لم يفلحوا فيما يصبون إليه على مر العصور باستثناء فترات قصيرة كانوا فيها أسياداً لأنفسهم وكانت العقبة الكأداء في الطريق هي التفرقة وانعدام الوحدة والإنسجام .