حصن كيف أو حسن كيف هذه القلعة الذائعة الصيت كانت تطلق عليها سابقاً تسمية رأس الغول (سريه ديو)أو رأس العملاق وهي قلعة كبيرة وعالية تشرف على ضفة نهر دجلة من جهة الجزيرة وقد قطعت ونحتت من الصخر ويقول الأمير شرف خان البدليسي . يبلغ علو الحصن مئة وخمسون ذراعاً وهو محصن تحصيناً عالياً وتتبعه أربعة مناطق هي سيرت والبشري والطور وأرزن وتقطنه ثلاث عشرة عشيرة كردية وهي الآشيتية والمحلمية والمهرانية والبجنوية والشكاكية والسيتركية والكوردل الكبير والكوردل الصغير والرشانية والكشكية والجيلكية والخندقية والسوهانية والبيريا ويلاحظ هنا ورود أسماء أربع عشرة قبيلة فمن اين جاء هذا الخطأ حيث كتبت عشيرة البيديا ولم تعد ويستطرد أمير بدليس القول. أن اثنا عشرة ألفاً من المسيحيين يدفعون الخراج أو الجزية لهذه الإمارة ويقول في معرض ذكره لحكام حصن كيف مايلي في سنة 662هجري وعندما جاءت نهاية الدولة الأيوبية الكردية في الشام ومصر هرب أحد أمرائهم واختبأ في مدينة حماه لبضعة اشهر ثم التجأ الى ملك ماردين فأعطاه الملك قلعة سطور (سَوْر) ولكن لم يرضيه ذلك فذهب الى حصن كيف وتحصن بها وعلى الرغم من الهجمات المتعددة التي شنها جيش ماردين إلا أنه لم يفلح في القضاء عليه وأجبر هذا الجيش على التراجع أمام أسوارها الحصينة ومنذ ذلك اليوم أصبح الأيوبيون حكاماً على تلك المناطق ومن ملوكهم الذين أعطوا اسمهم للتاريخ بكثير من الشهرة والإعتزاز هو الملك سليمان.وهنا يتوجب علينا العودة نحو الوراء لنسلط بعض الضوء على هذه العائلة العريقة وسنبدأ من الملك الكامل محمد بن الملك العادل بن نجم الدين أيوب ففي سنة 374 هجري كانت قلعة حصن كيف تحت حكم العائلة المروانية الكردية وقد انتزعوها من عرب الحمدانيين حكام حلب ووقعت سنة 447هجري تحت سيطرة البجنويين الأكراد وفي سنة 489هجري كانت في يد موسى التركماني ثم دخلت في سنة 495هجري تحت حكم سكمان الأرتوقي التركماني وبقيت تحت حكم الأراتقة هؤلاء حتى سنة 629هجري وفي هذه السنة انتزعها الأكراد الأيوبيون ملوك الشام ومصر وكردستان وعربستان من أيدي الملك مسعود بن المودود بقيادة الملك كامل شاه الأيوبي الذي جعل ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب حاكماً على مناطق دياربكر وخلاط وحصن كيف .1- الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل (أبي بكر) بن نجم الدين أيوب :أصبح ملكاً على هذه المنطقة من كردستان سنة 629هجري واستقر في قلعة حصن كيف جاءه من ينعي إليه والده وهو في الرحبة عندئذ تحرك الخوارزميون دون ابطاء وكانوا يشكلون فرقة شرسة في الجيش الكردستاني وأرادوا قتل حاكمهم والإستلاء على مقاليد الأمور في الدولة وعندما سمع الملك الصالح نجم الدين بذلك هرب الى قلعة سنجار وتحصن فيها وبدأ الأعداء بمداهمة كردستان بجيوشهم من جميع الجهات فسار ملك الموصل بدرالدين لولو بجيش جرار الى مدينة سنجار وسيطر الخوارزميون على معظم أراضي الجزيرة كما هاجم كيخسرو ملك الروم مدينة دياربكر وكما كان نجم الدين متحصناً في سنجار فقد تحصن ابنه تورانشاه في دياربكر فأبدى الب والإبن مقاومة رائعة أمام أعدائهما كما هرب الإبن الآخر فتح الدين عمر من الخوارزميين والتجأ الى قلعة جعبر على نهر الفرات ولكنه لم يصمد أمام الجيوش المندفعة كالسيل الجارف نحوه فذهب الى عمته صفية خاتون في منبج ولكن امتنعت العمة عن حمايته فعاد الى حران وفي هذه الأثناء أرسل نجم الدين أيوب رسالة الى ابنة فتح الدين مع القاضي يوسف بن حسن الزرزاري قاضي سنجار يخبره فيها بوجوب إطاعة القاضي وعدم مخالفة رايه فلبس القاضي لباس العرب الرحل وانسل خفية الى فتح الدين عمر وسلمه الرسالة عندئذ توجه الإثنان دون أن يشعر بهما أحد الى الخوارزميين وبذلا لهم العهود والمواثيق ووعداهم بممتلكات في الجزيرة وسنجار وهكذا عقدا حلفاً معهم وساروا معاً الى سنجار وألحقوا هزيمة ماحقة بجيش الموصل واستولوا على غنائم كبيرة وهنا خرج نجم الدين من حصنه وتوجهوا جميعاً نحو دياربكر وهزموا جيش الروم فاستعاد نجم الدين سيطرته على البلاد واستقر من جديد في حصن كيف وقصة الملك نجم الدين أيوب طويلة ولكن يمكن القول وبختصار بأنه سجن في الكرك ولكن تمكن زعماء الدولة وحكامها من القبض على أخيه الملك العادل وإيداعه السجن في مصر وبايعوا نجم الدين ملكاً بعدما أخرجوه من السجن وأخذوه الى مصر ولكنه توفي وهو يقاتل الفرنجة فأخفوا خبر موته حتى جاؤوا بإبنه تورانشاه من حصن كيف عندئذ أعلنوا وفاته على الملأ.
2- الملك المعظم تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل بن الملك العادل أبي بك بن نجم الدين أيوب:
بعدما ذهب والده الى مصر حله محله بجدارة واستطاع أن يلملم شتات كردستان وبذلك حافظ على حدود بلاده وحمى القبائل والعشائر الكردية من أعدائها وعم الخير البلاد ونشر المساواة بين الناس ومديد العون والمحبة لهم فازدهرت البلاد وعم الرخاء قراها ومدنها وبدأت حركة عمران نشطة.أما في مصر وكما اسلفنا فقد وقف والده في وجه جيوش الفرنجة التي كانت بقيادة الملك لويس الذي داهم بجيشه دولة الكرد والمسلمين وتوفي الملك الكردي والحرب في أوجها فأخفى زعماء الدولة موته ثم بايعوا تورانشاه وأرسلوه سريعاً الى مصر وقصة هذا الملك طويلة وسترد لاحقاً في بحث تاريخ الامبراطورية الكردية ولا أريد الإطالة هنا والاسهاب فيها. هذا ولما علم تورانشاه أن ضعف الدولة سببها المماليك وبعض الطامعين في الحكم بادر الى قطع دابر الفوضى وتقوية الدولة فبدأ بالمماليك فقطع عنهم الأرزاق وأذلهم ولكن كان المماليك أكثر دهاء منه فاستطاعوا أن يجمعوا حولهم قواد الجيش وقرروا الإستلاء على الدولة وفي خطوة أخرى استحالوا إليهم زوجة والده الدردارة(شجرة الدر) حيث تزوجها أحدهم كما كان البعض من الحكان الكرد ضالعين في التآمر معهم مثل ابو علي الهذبني حاكم القاهرة فبدأ الجمع بالهجوم على تورانشاه ومباغتته بالسيوف وتمكنوا من قتله ثم قتلوا شجرة الدر أيضاً وبذلك سيطروا على البلاد وبقيت فقط مناطق الشام وفلسطين وكردستان والحجاز واليمن ولبنان تتشكل منها الدولة الأيوبية الكردية وهنا تضيع الحلقة بين تورانشاه والملك سليمان الذي يقول عنه شرف خان البدليسي إنه من أوائل الملوك الذين حكموا حصن كيف ولكن يمكن الإفتراض بأن والد الملك سليمان كان يدعى الملك محمد لأن سليمان كان له ابن يدعى محمداً ولأن الناس درجوا على مرالعصور على اطلاق أسماء آبائهم على أبنائهم واعتماداً على ذلك يمكن وضع الملك محمد في هذه الحلقة المفقودة.3- الملك محمد بن الملك تورانشاه أو فتح الدين عمر :
يشكل هذا الشخص الحلقة المفقودة بين حفيد وجد وقد ذكرته بالتقدير والشك ولم يرد ذكره في كتابات المؤرخين ولاأستطيع أن أذكر عنه شيئاً ويقول الدكتور جمال الدين الشيال الذي طبع كتاب (مفرج الكروب) في مصر عام 1953م أن هناك كتابين تاريخيين يتحدثان مطولاً عن دولة الأكراد الأيوبيين التي كانت قائمة في حماه وحصن كيف في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين ولكن يعتقد الشيال بأن هذين الكتابين مصدرهما هو مفرج الكروب ومما يؤسف له أنه حتى الآن لم يطبع كتابي التاريخ هذين والقسم الرابع من مفرج الكروب ليتسنى للمرء الكشف عن الحلقة المفقودة والبحث عنها.
4- الملك سلمان بن الملك محمد :
يقول شرف خان البدليسي.كان الملك سليمان من ملوك هذه الإسرة الذائعة الصيت وقد استمر في حكم هذه المناطق حتى أواخر حكم جنكيزخان أي حوالي العام 736هجري وعندما توفي خلفه ابنه الملك محمد.
5- الملك محمد بن الملك سليمان :
أصبح حاكماً على هذه المناطق بعد وفاة والده وقد بدأ بعمران بلاده وتقدمها وازدهرت بلاد حصن كيف خلال هذه الفترة كثيراً وكان عطوفاً سخياً وذكياً وعندما توفي خلفه ابنه الملك العادل .